رياضة

الجمهور أم اللاعبون: من يحب كرة القدم أكثر؟

هل يمكن أن يكون المشجع الجالس على أريكته المتابع لما يتيسر من المباريات وأخبار الانتقالات حول العالم، أكثر شغفاً وحباً للعبة من اللاعبين أنفسهم؟

future صورة تعبيرية (الجمهور أم اللاعبون: من يحب كرة القدم أكثر؟)

«إذا كانت مباراة برشلونة وريال مدريد تذاع على قناة ما، وعلى قناة أخرى تذاع بطولة جولف؛ فإنني أشاهد الجولف. لم أحب مشاهدة كرة القدم قط».

كارلوس تيفيز، المهاجم الأرجنتيني

ليس تيفيز بدعاً من اللاعبين في ذلك، سواء في عزوفه عن مشاهدة كرة القدم وإيلائها اهتماماً ضئيلاً جداً خارج الملعب، أو في حبه للجولف والحرص على ممارسته ومشاهدته. ولكن تصريحه قد يربك جمهور كرة القدم في ما يخص علاقة اللاعبين باللعبة. فكيف للاعب يضبط الجمهور مواعيدهم ليروه في الملعب، ألا يشاركهم الشغف ذاته باللعبة ومتابعتها؟ هل يعد بذلك المشجع الجالس على أريكته، المتابع لما يتيسر من المباريات وأخبار الانتقالات حول العالم، أكثر حباً للعبة من اللاعبين أنفسهم؟

مهنتي التي أحب، شغفي الذي لا أجد

إن كنت ممن لا يعملون في مهنة سرية وحساسة، قد يُعرض الإفصاح عنها حياتك للخطر؛ فاسمح لي أن أسألك عن مهنتك الدائمة، التي تنفق فيها وقتاً مساوياً للوقت الذي تقضيه مع أسرتك أو ربما أكثر. لنفترض أنك محاسب، تعود للبيت بعد يوم عمل طويل وشاق، بم ستفكر لحظة دخولك للبيت؟ سيكون ضرباً من الجنون أن تمارس المحاسبة على سبيل الترفيه أو أن تجلس أمام التلفاز لتشاهد أشخاصاً آخرين يقومون ببعض المحاسبة.

عام 2010، أجرت صحيفة «الجارديان» مقابلة مع الظهير الأيسر لتوتنهام آنذاك الكاميروني بينوا أسو إيكوتو أثارت ضجة غير مسبوقة وقتها. بسبب صراحة الكاميروني عن لعبه لكرة القدم بسبب المال وليس حباً فيها.

«إنها مهنة جيدة جداً، لا أقول إنني أكره كرة القدم تماماً، لكنها ليست شغفي. أصل في الصباح إلى التمرين وأصير لاعباً محترفاً، أؤدي وظيفتي على أكمل وجه. لكن بعد ذلك لا ألمس الكرة مطلقاً، وأصبح سائحاً في لندن أركب المترو وآكل».

عندما انتقل فان دير فارت إلى توتنهام قادماً من ريال مدريد؛ أظهر الجميع في غرفة الملابس اهتمامهم بالترحاب به، إلا بينوا الذي لم يكن يعرف عنه شيئاً، إنه اللاعب الجديد القادم من مدريد فحسب. وهو ما يؤكد اتساق تصريحاته مع حقيقة معرفته الضئيلة بكرة القدم.

كان جاريث بيل لاعباً رائعاً، لكن كرة القدم لم تكن أولويته القصوى. دعنا نعيد صياغة تلك العبارة مرة أخرى: لم تكن كرة القدم أولوية بيل القصوى وهو أحد أضلاع المثلث الهجومي الأكثر تأثيراً وشهرة في تاريخ النادي الملكي ريال مدريد. هل كان بيل يكره كرة القدم لتلك الدرجة، أم إن حبه للجولف فاق كل حب آخر؟

كانت الجولف بالنسبة للويلزي كالصديقة التي يشكو لها بثه وحزنه وهموم حياته الزوجية مع كرة القدم. وقد قامت بدورها على وجه مُتقن جعل الوقوع في حبها أمراً حتمياً. سببت تلك العلاقة غير الشرعية المعلنة شرخاً قوياً في العلاقة الشرعية وبيتها في مدريد. وعقب تأهل ويلز لبطولة اليورو 2020، أعلن بيل أولوياته الجديدة ورفعها مكتوبة على العلم، «ويلز، الجولف، مدريد».

https://x.com/mundodeportivo/status/1196923032486502400

ضع نفسك مكان جمهور مدريد أو فلورنتينو بيريز نفسه الذي يرى لاعباً يكلف خزانة النادي 2.2 مليون يورو في الشهر، يصرح بفجاجة بأن الجولف عنده أهم من مدريد نفسها، كيف ستشعر؟ كان شعور النادي ورئيسه معروفاً، وكانت نية التخلص من بيل مبيتة لأسباب عدة. لكن السؤال الأهم: ما الذي قد يقلق بيريز أو أي رئيس ناد أو مدرب، حين يعرف أن لاعبه لا يحب كرة القدم ولا يشاهدها في المنزل؟

من يعبأ بذلك حقاً؟

الإجابة: توني كاسكارينو.

وهو لاعب كرة قدم معتزل وصاحب عمود صحفي في جريدة «التايمز»، وأيضاً لم يعجبه أن بوبي زامورا مهاجم ويست هام المعتزل، قد صرح في حوار صحفي عام 2012 بأنه يفضل عمل أي شيء في وقت فراغه إلا الاهتمام بالكرة، فكتب، «إن لم يكن قلبك معلقاً بكرة القدم؛ فاعتزل».

لكن قلب زامورا وفكره كانا معلقين على إبقاء مسافة كافية بينه وبين مهنته، التي اعتاد ممارستها لسنين طويلة، وعدم السماح لها أن تتطفل على حياته الخاصة أو أن تقضي على التوازن الذي صنعه بينهما. ذلك التوازن الذي يعينه على الاستمرار بنفس الكفاءة والاحترافية.

يتوافق هذا التفكير مع دراسة أجراها باحثان في جامعة «مصباح الأمة» الإندونيسية عام 2023، عن تأثير الاختلال في توازن العمل والحياة «work-life balance» على الطريقة التي يفكر بها مجموعة من الموظفين تجاه مهنتهم والرغبة في تغييرها. وجدت الدراسة أن ذلك الاختلال لا يؤدي بشكل مباشر إلى تغيير المهنة، وإنما يصيب الموظفين بحالة من الاحتراق النفسي الوظيفي، يجعلهم يقبلون في النهاية على مهنة تعيد لهم شيئاً من هذا التوازن.

ربما لذلك لا يخجل بين وايت مدافع أرسنال الحالي في الدفاع عن ذلك التوازن في حياته، وأن يصرح غير مرة بأنه ينتظر انتهاء التمرين بفارغ الصبر حتى يعود للمنزل وينعزل عن كل ما له علاقة بكرة القدم.

«كرة القدم ضاغطة جداً، تأتي كل يوم وتعطي كل ما لديك، وكل ما أريده أن أعود إلى المنزل وألا أفكر فيها أبداً. ثم أعود في الصباح التالي منتعشاً حتى أستطيع أن أعطي كل ما لدي مرة أخرى».

https://youtube.com/shorts/61BlsI4vANw?si=BEQp3X9lXT7PVriL

والحقيقة أن دراسة أخرى نشرت في مجلة علم نفس الرياضة عام 2023، أثبتت أن هناك علاقة بين تحسين التوازن بين العمل والحياة وبين الانخراط الإيجابي في العمل وتعزيز الأداء الوظيفي للأفراد، وهو ما يجعل لحديث وايت شيئاً من الوجاهة والمنطق.

لعبة المسافات: ألا تقترب كثيراً فتزهد

يمثل العمل في كرة القدم الحلم المشتهى لدى كثيرين، فمن يكره أن يكون مكمن انشغاله في متعته، وأن يكون أكل عيشه من لعبته المفضلة، سواء باللعب أو تحليل الأداء أو جمع الإحصاءات أو حتى الكتابة بصفة دورية عنها؟

لكن امتهان الشغف أو ما يمكن تسميته لعنة الهواية/الوظيفة، لا تتوقف عند اللاعبين فحسب، وإنما تمتد لتصل كافة المشتغلين بها، وتخرب عليهم بطريقة أو بأخرى المتعة البكر القديمة.

في تقرير على موقع «ذا أثليتيك» بعنوان «كيف يشاهد المشتغلون بكرة القدم مباريات كرة القدم؟» يرصد الكاتب والمحلل أحمد وليد الفوارق الكامنة بين مشاهدة المختصين المعنيين بالتحليل والإحصاء، والمشاهدة لغرض الاستمتاع فحسب.

فبينما يحاول هشام أبو ذكري، أحد منشئي شركة «StatsBomb»، الاستمتاع بمباريات البريمرليغ التي يفضل مشاهدتها؛ تبرز تفصيلة بسيطة مثيرة للجدل قد لا ينتبه أحد لحدوثها في الأساس، لكنها في صميم عمله الذي يتضمن الانتباه لأبسط تفاصيل المباراة لأغراض إحصائية وبيانية، فتتحول مشاهدة المتعة عند نقطة ما إلى جزء من العمل.

كذلك الأمر بالنسبة لـ جيمي كاراغير نجم ليفربول السابق ومحلل شبكة «سكاي سبورت» الحالي، الذي أصبح يقضي 80% من وقت مشاهدته في التحليل من أجل التزامات العمل، ولا يستطيع الهرب لمشاهدة المتعة إلا عند انتهائها.

ذلك عن التأثير الكيفي في نوعية المشاهدة، أما التأثير الكمي فيظهر في عدد المباريات التي يجب على محللي الأندية أو محللي البرامج الرياضية مشاهدتها في الأسبوع الواحد. فعلى سبيل المثال يشاهد جيمي كاراغير بين سبع وثماني مباريات في الأسبوع الواحد، مع إعادة بعض هذه المباريات إذا تطلب الأمر. أما جيمي عناني هو محلل أداء متدرب لفريق AFC Wimbledon فإنه يشاهد متوسط 10 إلى 15 مباراة، نصفها له علاقة بالفريق وخصومه.

تلك الحالة من الإلزام المرتبط بالعمل، صنعت تغييراً بعلاقة هؤلاء جميعاً بكرة القدم، يلخصها أوريل نازميو، عالم البيانات في شركة Twenty First Group، بأنها قامت بتحييد العواطف وتغليب الموضوعية أثناء المشاهدة، والتعامل مع الكرة كأنها وظيفة يومية يجب إتمامها والتخلص من عبئها.

# رياضة # كرة قدم # علم نفس # كرة القدم العالمية

جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً
الخسارة كنز: هل تجعلك الهزيمة خفيف الظل؟
المقبرة الملكية: هل يحمي ريال مدريد المواهب أم يدفنها؟

رياضة